سورة الرعد - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)}
{وَإِن تَعْجَبْ} يا محمد من قولهم في إنكار البعث، فقولهم عجيب حقيق بأن يتعجب منه؛ لأن من قدر على إنشاء ما عدد عليك من الفطر العظيمة ولم يعي بخلقهنّ، كانت الإعادة أهون شيء عليه وأيسره، فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيب {أَءِذَا كُنَّا} إلى آخر قولهم: يجوز أن يكون في محل الرفع بدلا من قولهم، وأن يكون منصوباً بالقول. وإذا نصب بما دل عليه قوله: {إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ}، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} أولئك الكاملون المتمادون في كفرهم {وَأُوْلَئِكَ الأغلال فِي أعناقهم} وصف بالإصرار، كقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أعناقهم أغلالا} [يس: 8] ونحوه:
لَهُمْ عَنِ الرُّشْدِ أَغْلاَلٌ وَأَقْيَادُ ***
أو هو من جملة الوعيد.


{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)}
{بالسيئة قَبْلَ الحسنة} بالنقمة قبل العافية، والإحسان إليهم بالإمهال. وذلك أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بإنذاره {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} أي عقوبات أمثالهم من المكذبين، فما لهم لم يعتبروا بها فلا يستهزءوا والمثلة: العقوبة، بوزن السمرة. والمثلة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة، {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40] ويقال: أمثلت الرجل من صاحبه وأقصصته منه. والمثال: القصاص. وقرئ: {المُثُلات} بضمتين لإتباع الفاء العين. و {المَثْلات}، بفتح الميم وسكون الثاء، كما يقال: السمرة. و {المُثْلات} بضم الميم وسكون الثاء، تخفيف {المُثُلات} بضمتين. والمثلات جمع مثلة كركبة وركبات {لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب. ومحله الحال، بمعنى ظالمين لأنفسهم وفيه أوجه. أن يريد السيئات المكفرة لمجتنب الكبائر. أو الكبائر بشرط التوبة. أو يريد بالمغفرة الستر والإمهال.
وروي أنها لما نزلت قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد».


{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}
{لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عناداً، فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى، من انقلاب العصا حية، وإحياء الموتى، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت رجل أرسلت منذراً ومخوّفاً لهم من سوء العاقبة. وناصحاً كغيرك من الرسل، وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول منذر، وصحة ذلك حاصلة بأية آية كانت، والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوة بها لا تفاوت بينها، والذي عنده كل شيء بمقدار يعطي كل نبي آية على حسب ما اقتضاه علمه بالمصالح وتقديره لها {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} من الأنبياء يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية، وبآية خص بها، ولم يجعل الأنبياء شرعاً واحداً في آيات مخصوصة. ووجه آخر: وهو أن يكون المعنى أنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون، فلا يهمنك ذلك، إنما أنت منذر، فما عليك إلا أن تنذر لا أن تثبت الإيمان في صدورهم، ولست بقادر عليه، ولكل قوم هاد قادر على هدايتهم بالإلجاء، وهو الله تعالى. ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضاء حكمته أن إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره: أمر مدبر بالعلم النافذ مقدّر بالحكمة الربانية، ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيراً ومصلحة، لأجابهم إليه. وأما على الوجه الثاني، فقد دل به على أن من هذه قدرته وهذا علمه، هو القادر وحده على هدايتهم، العالم بأي طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8